«البحث عن زوج مثلي»، «شاب ولا بنت؟»، «سحاقية»، «ذلك الحب الذي يكسر قلبك»، «حجابي وأنا»، «يا حيوانة!». ليست هذه مجرد شتائم أو عبارات مثيرة. هي بعض من عناوين القصص القصيرة التي يضمها كتاب «بريد مستعجل» فوق صفحاته الـ223. كتاب قد يخافه البعض، أو قد يثور عليه، وربما يحبه البعض الآخر. لكنه في النهاية صدر بكل ما فيه من تابوهات محطمة، ومسائل تطرح للمرة الأولى بهذا الوضوح والصراحة والواقعية. ولدت فكرة الكتاب منذ ما يقارب سنتين، خلال الاجتماعات المعتادة لمجموعة «ميم» (Meem، مجموعة دعم للفتيات المثليات). وجاءت نتيجة تهميش المثليات في لبنان، والاستخفاف في التعامل مع كل ما يتعلق بـ«مجتمعهن» ومعاناتهن وحقوقهن، وعدم أخذ قضيتهن على محمل الجد. هكذا تروي نادين معوض، الناشطة في «المجموعة النسَوية» (Feminist Collective) الراعية والداعمة للكتاب، قصة ولادة «بريد مستعجل». فور الحصول على التمويل من جمعية «هندريش بول» الألمانية، تم تشكيل فريق عمل من أربع فتيات، ليقمن بمهمة إجراء الاستطلاعات الميدانية والمقابلات المباشرة مع مجموعة كبيرة من الفتيات والنساء المثليات والمزدوجات الميول (bisexual) والمتحولات جنسياً (transgender)، في كافة المناطق اللبنانية. وبعد سنة ونصف من العمل الذي تخلّلته صعوبة في العثور على البطلات، لا سيما خارج بيروت، تم انتقاء القصص الـ41 الأكثر أهمية وتأثيراً، والتي دارت حول عشرة عناوين رئيسية أبرزها: المجتمع، الهوية الجنسية، الدين، العلاقات، التمييز، اكتشاف الذات، والهجرة.. الكتاب يشبه صندوق بريد يضم رسائل ذاتية تنتظر منذ زمن طويل أن تصل إلى أيدي الناس. من هنا جاء العنوان، «بريد مستعجل»، الذي طبع على غلاف لافت ومصمم بعناية، وخال من أي شعار مثلي تجنباً لإحراج مشتري الكتاب وقرّائه. وقد أخذت «المجموعة النسوية» على عاتقها مهمة نشر الكتاب وطباعة 400 نسخة منه باللغة الانكليزية، على أن يطبع مثلها باللغة العربية فور الانتهاء من التعريب. بنبرة فرحة، تستغرب معوض السهولة التي تم فيها الحصول على رخصة النشر من وزارة الثقافة، على الرغم من وجود المادة 534 في القانون اللبناني التي تجرم «المجامعة المخالفة للطبيعة»، والتي تسعى المجموعة اليوم إلى شطبها عبر حملة موجّهة إلى مجلس النواب. الكتاب قال كلمته\ «اقرأوا قصصهن بعيداً عن الكراهية والشفقة والتعاطف، أنظروا إلى تجاربهن الإنسانية، إلى أحاسيسهن ومعاناتهن وتمردهن، بعيداً عن تصنيفات المثلية والازدواجية وغيرها». هذا ما يقوله الكتاب للجمهور، بحسب معوض. هو مصارحة بين فتيات عشن تجارب هائلة ظلت خرساء وأسيرة، ومجتمع يجلد هؤلاء الفتيات كلما أردن فتح أفواههن. «ممنوع على فتاة القول بأنها منذ 13 عاما واقعة في حب فتاة أخرى. ممنوع على امرأة أربعينية متزوجة وأم لأطفال، التصريح بأنها تعيش حياة زوجية خالية من أي إحساس لكونها مثلية». لذلك، انجاز الكتاب أنه تحدث بحرية مطلقة عن مسائل محرمة ومجهولة في لبنان والعالم العربي. ففيه قبل حب وعناق وكلمات غزل وعلاقة جنسية بعيداً عن التصوير البورنوغرافي، بهدف محو الصورة النمطية للفتاة المثلية التي ساهم في تشكيلها الإعلام الخاطئ، كما تقول معوض. فالقارئ الذي سيكون في مواجهة مع مشهد لفتاتين عاشقتين تمارسان الحب، سيتمكن من رؤية إنسانية هذه العلاقة وبساطتها وجماليتها وقبحها كذلك، شأنها شأن كل العلاقات، بما فيها العلاقات المغايرة، أي غير المثلية. وتكمن ميزة الكتاب بحسب معوض، في كونه «مفرطا في الواقعية» وصادقا إلى أقصى الحدود. فعلى صفحاته، نرى فتاة تأكل وتدرس وتخرج مع صديقاتها، وتعاني الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة، وتبحث عن فرصة عمل، وتؤدي فروضها الدينية، وتتشاجر مع أهلها، وتخجل في الموعد الأول، وتختبر نشوتها الأولى، وتقع في الحب، وتتزوج وتنجب الأطفال. لكنها في خضم صراعات الحياة اليومية هذه، تعيش مثليتها بكل ما تعنيه من «صدمة الاكتشاف» و«رحلة تقبل الذات»، إما بسهولة وارتياح إذا ما احتضنتها عائلتها وتقبلتها، وإما بمعاناة وقهر وتمييز يصل أحياناً حد العنف الجسدي والجنسي والكلامي المفرط، وهو عنف دائماً ما يؤدي بالفتاة إما إلى دوامة الاكتئاب أو الانتحار أو الهجرة. وترد في الكتاب عبارات شعبية متداولة، وكلمات باللهجة العامية، وأسماء مناطق وجامعات وأماكن لبنانية معروفة، ما يضفي جوا من الواقعية والمصداقية على «القصص المستعجلة»، لا سيما أنها تخلو من أية أسماء أو تواقيع تبوح بهويات البطلات. وما يساهم في تشكيل واقعية الكتاب وإثرائه، التنوع الكبير في القصص والشخصيات والأحداث والنهايات، فما من قصة تشبه الأخرى، ما يثبت بحسب معوض، خطأ الصورة النمطية للفتاة المثلية. فالفتيات توزعن على كل الطوائف والمناطق والطبقات الاجتماعية، وبينهن المتعلمات والمتواضعات الاطلاع، والعازبات والمتزوجات، والمؤمنات والملحدات والمحجبات. وفي سياق الأحداث، هناك أسر احتضنت الابنة المثلية ودعمتها، وأسر أخرى طردتها من المنزل وعنفتها. وفي النهايات، هناك نهايات سعيدة ما زالت مستمرة لم تنته، وهناك نهايات مأساوية حزينة. وإلى جانب قصص المثليات، يتناول الكتاب قصص إناث يحلمن بالتحول إلى ذكور. كما نقرأ قصصا مؤثرة ترتبط بقضايا المرأة المعروفة من تمييز وكبت واستغلال واغتصاب وعنف وإهانة ورفض، وضغوط اجتماعية تدفع بها إلى الزواج القسري أو إلى البحث عن زوج مثلي، ليمثلا معا مشهد «العائلة السعيدة» أمام المجتمع. لم يخرج الكتاب بعد إلى العلن، لكن «المجموعة النسوية» تتلقى يومياً رسائل كثيرة من فتيات عربيات يستفسرن عن كيفية الحصول على الكتاب، على الرغم من أن ذلك يبدو مستحيلا نتيجة الرقابة المشددة على الكتب في الدول العربية، وإن خلا محتوى الكتاب من المواد المسيئة للأخلاق العامة. وبغض النظر عن كل ما سيكتب وسيقال، الكتاب بالنسبة لمعوض، قال كلمته الأهم لمثليات لبنان: «الأمل».
نشر في جريدة السفير "ملحق شباب" عدد 27-5-2009

0 comments:

Post a Comment




جمال العالم برهان على أن الله أنثى

اسمي جنوبية

Lebanon
معجوقة بمشروع التخرج