انتخابات نعم...ديموقراطية؟

لين هاشم

لبنان دولة تتميز بديموقراطيتها بين دول الشرق الأوسط، باعتبار أن المواطنين اللبنانيين ينعمون بنعمة الاقتراع كل أربع سنوات. يفخر اللبنانيون بهذه العبارة، ويؤمنون بها ويتسلّحون بها للدفاع عن «تميزهم» بين الشعوب الأخرى المجاورة. لكن هل يكفي أن تحدث الانتخابات، كي تكون الدولة بمؤسساتها وشعبها، دولة «حرة ديموقراطية»؟ وهل يكفي «وقوع» الانتخابات، لتكتسي طابع «الديموقراطية»؟ يمكن القول إن «المثلث الانتخابي» هو المؤشر الأول على ديموقراطية وحرية الانتخابات في مكان ما من العالم، وأضلاع هذا المثلث هي: الناخب، المرشح، والإطار الدستوري.. أي قانون الانتخاب. أولا، الناخب. طوال عقود مضت وحتى يوم الأحد الفائت، لم يستطع الناخب اللبناني التفلّت من القيود الطائفية والعائلية والمناطقية التي كانت وما زالت تكبله، وتجعل من صوته مجرد صوت إضافي في صندوق مليء بأصوات متطابقة ومعروفة سلفاً، وفقاً للمنطقة التي يتم الاقتراع فيها، والطائفة «المسيطرة» على تلك المنطقة. حتى المواطنين المنتمين إلى أحزاب علمانية عريقة، هم إما أسرى العصبيات الطائفية والمناطقية، وإما أسرى العصبيات الحزبية التي تقيدهم بأسماء حزبية مقفلة تعيد إنتاج نفسه في كل دورة انتخابية، وإما معتكفون عن التصويت نتيجة ما ذكر. في الواقع، الأزمة هي أزمة مواطن ما زال أسير الجهل والفقر والتعصب والتخلف والإقطاع في أحيان كثيرة.. ولا علاقة لهذا بارتفاع معدلات التعليم وارتفاع عدد حملة الدكتوراه. هي أزمة مواطن غير واع لحقوقه المواطنية والديموقراطية، وغير مدرك لواجباته، ومهمل لمصلحته ومصلحة أولاده، من خلال إعادة انتخاب الطبقة السياسية ذاتها التي ما عملت يوماً من أجله، بل من أجل مصالحها الخاصة. فعلى مدى أشهر طويلة سبقت يوم الانتخاب، كان الناخب اللبناني، مقيماً ومغترباً، حقل تجارب للمال الانتخابي المهين، ولتذاكر السفر المجانية، وللخطاب الطائفي البغيض، وللمهرجانات الانتخابية التحريضية، وللحملات الإعلامية الهدامة والمتجاوزة لكل الأعراف والقوانين. فهل يكفي أن يتمكن المواطن من وضع ورقة في الصندوق، أو من التلويح بحزب ما وإطلاق الهتافات والنزول في التظاهرات، ليكون ناخباً حراً؟ ثانياً، المرشح. منذ عقود خلت، ما زالت الوجوه المرشحة هي هي، مع تعديلات طفيفة في «التفاصيل» وثبات في الزعامات. وما زال هؤلاء المرشحون – الإقطاعيون في معظمهم - ينظرون إلى الكرسي النيابي على أنه غنيمة وهدف، لتحقيق مزيدٍ من المشاريع الفردية والشخصية، بدلاً من كونه وسيلة للتعبير عن الناخبين والنطق باسمهم والمطالبة بحقوقهم وتحسين ظروف عيشهم. ولعل المناطق الغارقة في الفقر والحرمان، مثل عكار والضنية وبعلبك والهرمل وغيرها هي أبلغ تعبير عن أنانية وفردية ونفاق المرشحين. أما لجهة الخطاب الذي يجيده المرشحون، فهو قطعاً ليس الخطاب الانتخابي العقلاني البنّاء، إنما الخطاب الطائفي التجييشي التحريضي الخالي من أي برنامج اقتصادي اجتماعي واضح المعالم، تتم على أساسه المحاسبة والمساءلة لاحقاً. ما زال المرشح يتعاطى مع الناخب وفق منطق «الزعيم عايز كده»، أو «صوتك مقابل خدماتي»، وهذا الأمر بدا واضحاً في الخطابات «الزعائمية» وعمليات توزيع المال الانتخابي وشراء الأصوات. فهل يمكن لانتخابات ما زال مرشّحوها أسرى المنطق الإقطاعي والمطامع الشخصية والخطابات الطائفية، أن تكون حرة ديموقراطية؟ ثالثاً، قانون الانتخاب. من أهم مبادئ الديموقراطية مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وعدم التمييز على أساس العرق أو الدين أو المذهب أو اللغة أو المكانة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فكيف تكون انتخابات ديموقراطية وفق قانون يعتمد التقسيم الطائفي والمذهبي، ويحرم المغتربين اللبنانيين من حق الاقتراع، ولا يقيم اعتباراً لحماية حقوق وحريات الأقليات والفئات الضعيفة في المجتمع (الكوتا النسائية مثلاً)؟ هو قانون باعتراف الجميع، متخلف وغير عادل. لكن هل يقدم «الجميع» على إصلاحه في الدورة الانتخابية المقبلة؟ الاقتراع وحده ليس ديموقراطية.. ولا حرية. وطالما أن لبنان لا يزال يستجدي المؤسسات الأجنبية لمراقبة انتخاباته، وطالما لم يبنِ بعد مجتمعا ديموقراطيا وإنساناً حراً بحق، سنظل نشهد انتخابات شكلية خالية من أي جوهر ديموقراطي. فالثابتة التاريخية تقول إن الديمقراطية يجب أن تسبق الانتخابات، وليس العكس
جريدة السفير - صفحة شباب - 13\6\2009

0 comments:

Post a Comment




جمال العالم برهان على أن الله أنثى

اسمي جنوبية

Lebanon
معجوقة بمشروع التخرج